بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة: “تاريخ ممكن” و “تاريخ متحقق” للفلسفة في مدينتنا العامرة.

[من الأرشيف]

سيرا على التقليد الذي اختطته لنفسها، وبتنسيق مع اللجنة الثقافية لثانوية المنصور الذهبي للتعليم الخصوصي، نظمت “الجمعية الفلسفية التطوانية”، يومه الجمعة 23 نوفمبر 2007 على الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال نشاطا ثقافيا احتفالا باليوم العالمي للفلسفة حيث ألقيتۥ محاضرة بعنوان “محاولة لتأريخ الاشتغال بالفلسفة في تطاون” ذهبتۥ فيها إلى أن مسعى التأريخ للفلسفة درسا ومعرفة في مدينتنا مسعى نبيل يروم الانتظام في المفهوم “التواطني” الذي ينبغي تجسيده باصطناع أهل الصنعة لسؤال التاريخ في أخص خصوصياتهم المكانية والثقافية كسبا للوعي بجغرافية الصنعة من جهة، ومحاولة لتأمل مسارها الزمني من جهة أخرى، واقتدارا على إضافة علم نافع بحركتها العامة في مدينة يقال عنها، ضمن مقدمات مشهورة وغير مبررة إديولوجيا وسياسيا، أن لها “خصوصية” تختص بها، و”دورا” ثقافيا يراد لها أن “تلعبه”.

         وذهبتۥ إلى أن البحث في موضوع “التأريخ” للفلسفة في مدينتنا لا ينفصل عن مجموع البحث الذي يمكن أن ينجز في عموم المكان السيادي الذي تقع فيه تطاون إلى جانب المدائن الأخرى، ولكنه بحث يفرض حذرا مضاعفا من حيث البدايات المفترضة للبحث، وطبيعة المقصود بالفلسفة فيها، ومقتضيات التمييز بين الفكر عموما، والفلسفة على وجه الخصوص، وأيهما أدخل في التأريخ لها من حيث الاشتغال بها كمعرفة وعلم، أو الاشتغال بها كتربية وتعليم، لا سيما وجود تداخل وسائط لغوية في تدريسها وتحصيل العلم بها، من قشتالية وعربية، وتوارد مستويات التحكم في مصيرها التعليمي بين سلطة فقهية إسلامية، أو سلطة كنسية كاثوليكية، خلال الحكم الوطني أو الحكم الأجنبي، وما يقتضي ذلك من إلزامات منهجية ومعرفية متشابكة الأبعاد ومتداخلة الدلالات، ومن ثم التردد في صياغة “تاريخ ممكن” لها يستجيب للمنهجية الفكرية التي يتبناها المؤرخ وهو يقرأ التراكمات التاريخية في الموضوع وفق تاريخ غير نخبوي، وغير مركزي، وغير سلطاني، وغير أرستقراطي، أو صياغة “تاريخ متحقق” لها على سند من وقائع هامشية ولكن ذات دلالة، وعلى هدي عناصر مهملة، ولكنها ذات شأن في تنويرنا بوجود “حكمة” و حضور “فلسفة” في غير مكانها، سواء لدى “صوفية البلاد”، أو مجاذيبها ممن “زرعوا” و “كونوا البذور الأولى لما سيصطلح عليه الناس من “بليغ الكلام” و “عين الحكمة” و ذات “التسعين”…

         وختمتۥ المحاضرة بدعوة جميع المفكرين التطاونيين إلى البحث عن عناصر للتأريخ للفلسفة في مدينتنا سواء كمعرفة أو كبيداغوجيا مذكرا بالدعوة التي كنت أطلقتها في وقت سابق (الرسالة إلى فرع الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بأكاديمية تطاون، جريدة “أنوال”، 8-12-1995) قصد تجريب الوعي بالذاتية الفكرية مطبقة على الفضاء الخاص الذي يتحدانا بإشكالاته المتعددة عظمة وخطورة. كما ختمتۥ محاضرتي بالدعوة، ليس فقط إلى التأريخ للفلسفة في مدينتنا، بل جعلها فضاء للتفكير الفلسفي ۥمشترطا في ذلك حضور قدر بسيط من الشجاعة الفكرية والثقة في الذاتية المدنية، وتحمل المسؤولية الحضارية بعيدا عن هولاميات “كلية”، وتعلات تجريدية تخفي العجز أكثر مما تظهر من “حذر منهجي” أو “يقظة علمية”.

         تجدر الإشارة إلى أن المحاضرة التي ألقيتها بصفتي رئيس “الجمعية الفلسفية التطوانية” شهدت حضور جمهور من التلاميذ والطلبة والأساتذة المثقفين، وقام بتأطيرها مدير الثانوية الخصوصية الأستاذ يوسف الدراوي، فللجميع عظيم امتناني، وجميل عرفاني، وبخاصة لأولئك الفتية الذين لم يدركهم بعد “سن اليأس” الثقافي.

محمد بلال أشمل

تطاون العامرة

 

جادلهم بالتي هي أحكم...